lundi 28 novembre 2011

صرخة وطن منكوب / أحمد حيمدان:


 من المفروض أن الثامن و العشرين من نوفمبر عيد استقلالي ومن المفروض أن كل موريتاني ينبغي أن يحس بالشموخ و الكبرياء في هذه المناسبة التي يفترض أنها عظيمة..!!
لكن للأسف الشديد لا احد اليوم يحس بهذه الأحاسيس لأن استقلالي قد اختطف و شموخ أبنائي و كبريائهم سُلبا.. فأنا اليوم -رغم كل ما أمتلكه من الثروات و الكفائات البشرية- أشبه ما أكون بمستعمرة يحكمها الجهال من (أبنائها) بقانون الغابة و تتنافس دول العالم علي سرقة خيراتها، تراودها الكوابيس المزعجة من كل جانب! تارة تحت مسمي "أم سي أم" وتارة تحت مسمي "تازيازت" و أحيانا أخري تحت مسمي "ابولي تكنولوجي"..  فشواطئ بحري "الآن" مهددة بنفاد الأسماك منها نتيجة للاتفاقية الصيد المشؤومة مع الصين، و ثرواتي المعدنية تنهب بشكل مستمر منذ فترة ليست بالقصيرة و هو ما يهدد بنفادها خاصة مع تزايد مستوي الإنتاج في مناجم "المحتلين" و تزايد عدد التراخيص الممنوحة لهم.
عندما تدخلون إلي ربوعي تشاهدون كيف أن الديمقراطية مغيبة و الحريات العامة مكبوتة، تبصرون بأم أعينكم الفساد و الرشوة و المحسوبية بشكل منقطع النظير، تتلمسون الفقر و الجوع  و العطش في كافة أرجائي، تتابعون كيف يستشري داء البطالة في كافة أعضائي يوما بعد يوم، ولا يمكنكم إلا أن ترو معارضة عاجزة عن إحداث أي تغيير يخفف من وطأة هذه المعانات..!! كلها آفات يعاني منها أبنائي المغلوبون علي أمرهم..
ما ذكرته لكم لا يعدوا كونه "جزئا بسيطا" من معاناتي! فالمصائب تلاحقني وتلاحق أبنائي الجوعى من كل صوب. نتيجة لذالك أتوجه إليكم أبنائي -أتوجه إلي كل شيخ دُمرت حياته و شاب حُطمت طموحاته وطفل سُرقت أحلامه، أتوجه إلي فئاتكم الكادحة، أتوجه إلي مفكريكم ومثقفيكم، أتوجه إليكم بكل مقدساتكم، أتوجه إليكم بدينكم الحنيف الذي يفرض عليكم حبي، أتوجه إليكم بأخلاقكم وقيمكم الأصيلة، أتوجه إليكم بشجاعتكم التي طردتم بها المستعمر و أعلنتم استقلالي..- مناشدا إياكم بإنقاذي قبل فوات الأوان، مطالبا إياكم بإعادة استقلالي إلي، لكي تعيشوا في كنفي معيشة كريمة تحفظ لكم شموخكم وكبريائكم وتحفظ لأجيالك القادمة حقها في الحياة..!!

وطنكم المنكوب

ذكرى النكسة العظيمة (10 يوليو 1978) :

كتبته بتاريخ 10 يوليو 2011:


زهرةٌ جميلةٌ رأت النور في 28 من نوفمبر عام 1960م، ولدت في عالم لا مكان فيه للمتخاذلين، أصبحت الزهرة فتاة و سماها مؤسسوها موريتانيا... بدأت الفتاة الجميلة تكافح و تعتلي المنصة تلوي الأخرى من أجل الحصول علي اعتراف دولي يكفل لها حقها في بناء دولة جديدة في زمان كثر فيه الطامعون و الراغبون في توسيع نفوذهم. ما لبثت أن حصلت علي ذالك الاعتراف الذي كانت تصبوا إليه لتصبح بعد ذالك عضوا فاعلا في عالمها العربي و الإفريقي بل و حتى الدولي، أخذت علي عاتقها حل النزاعات و الخلافات العربية و الإفريقية و حتى الدولية في بعض الأحيان...


لم يستمر نجاح الفتاة كثيرا فقد اختطفت و هي في ريعان شبابها، و بالتحديد في 10 يوليو 1978م، لم يشفع لها عمرها الذي لم يتجاوز آن ذالك ثمانية عشر سنة، كانت فتاة في مقتبل عمرها، فاتنة جميلة تحاصرها أطماع الراغبين في حيازتها من جميع الجهات، لكن أباها المدني كان يدرك آن ذالك المسؤولية الكبيرة الملقاة علي عاتقه اتجاه أمته و تحديات العصر التي كانت تواجهها.


فجأة قررت ثلة من "أبنائها" العسكريين ممن رعاهم أبوها و أشرف علي تكوينهم!! اختطافها فكانت تلك بداية مشوار جديد تغير فيه مسار الفتاة و انحرفت عن مسار بناء دولة مدنية تسود فيها مبادئ العدل و المساواة الذي كان والدها يوجهها إليه، انحرفت الفتاة أو بالأحرى اقتيدت إلي غيابات الانحراف فبدئت مظاهر الظلم و الحرمان و الزبونية تسود فيها، أصبحت الرشوة و الفساد بمختلف أنواعه و نهب الثروات سمات من سماتها.

ظلت الفتاة طيلة 27 سنة و المختطفون يتنازعون عليها و يتعاقبون واحدا تلوا الآخر بعيد عن إرادة شعبها المقهور، إلي أن خرج إلينا بعضهم بمجلس أطلقوا عليه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعدونا بدولة مدنية نحن الآمرون و الناهون فيها... انطلت الحيلة علينا و صفقنا ورائهم، لكنهم سرعان ما انقلبوا علي إرادتنا من خلال زجهم بمن اختاروه هم ليكون "رئيسا مدنيا" حسب وصفهم، ثم ما لبثوا أن انقلبوا عليه لا لشيء سوي أنه قرر الخروج عن طاعتهم. لتبدأ فصول حكاية أخري من تاريخ الفتاة التي أصبحت شيخة منهكة في الخمسين من عمرها... بدئت فصول تلك الحكاية بأزمة سياسية بين إرادة الشعب و جنرال لا علم له لا في السياسة و لا في فنون الحرب!! لكنه أستطاع أن ينقلب من جديد علي إرادة الشعب في دكار بمساعدة من حليفه بالأمس و عدوه اليوم عبد الله واد، ثم من خلال انتخابات لا زالت فصول حكاياتها هي الأخرى بحاجة إلي من يرويها.. !!


بدء الجنرال الجديد حكمه بسلسلة من الجرائم لم يكن أولها بيع تاريخ الفتاة، من خلال بيع ساحة ابلوكات التي تمثل رمزا من رموز الشعب الموريتاني، و لن يكون آخرها كما تشير الدلائل صفقة الصيد الصينية التي تمهد للانتقال من الفساد الأصغر إلي الفساد الأكبر و التحول من مجاعة ما زالت في مقتبل عمرها إلي مجاعة حقيقية تأتي علي الأخضر و اليابس...


من حسن حظ الفتاة بدأ شبابها يعي جسامة المسؤولية الملقاة علي عاتقه من أجل تحريرها من مختطفيها، بدء الشباب الموريتاني يتظاهر و ينزل للشارع مرة تلوا الأخرى في مشهد لم تشهد له الفتاة مثيلا. مشهد اختلط فيه الأبيض بالأسود كبياض العين بسوادها، مشهد كان الشباب علي غير عادتهم هم مفجروه و راعوه الرسميون بعيدا عن اليافطات الحزبية و الشعارات السياسية التقليدية... فبدئت الشيخة المنهكة تحلم من جديد و تئن لأيام شبابها المسروقة، بدئت تحلم بالتحول إلي دولة متقدمة تسود فيها مبادئ العدل و المساواة، دولة لا مكان فيها للزبونية و المحسوبية، دولة يوجهها شعبها و يقرر كيف تكون بعيدا عن سلطة الدبابات و قوة البندقية...